الخميس، مارس 03، 2011

الفصل الثالث


كان آدم فتى نشيطاً فبدأ على الفور في إعادة الحجرة إلى ما كانت عليه فأعاد الطاولة حيث كانت وجمع أجزاء الزهرية المكسورة تمهيداً للصقها بلاصق قوي كنت احتفظ به كما ساعدته في خياطة الأريكة فلم يكن ليستطيع خياطتها وحده وكان من السهل مداراة التمزق بخداديات صغيرة قمت بجلبها من غرفتي بالأعلى تبقى لدي شيء واحد وهو أخطر شيء في نظري... الدولاب .
لقد انقلب فانفتح ملقياً من جوفه خطابات  كنت قد احتفظت بها كما هي مغلقة . أسرعت لإحضارها لكن آدم سبقني وقال لي وهو ينظر إليها مدهوشاً :إن بعضها منذ خمس سنوات يا سيدة سوزان !
أجبته وأنا أجذب الخطابات من يده وألقيها في الدولاب : أعلم هذا وبعضها قبل مولدك أيضاً  ثم أغلقت الدولاب كما كان وقلت له : ساعدني على رفعه! تعاونّا سوياً على رفع الدولاب وإعادته كما كان مهملاً في الركن ، لكنه بعد أن رآه الصغير لم يعد مهملاً بعد الآن ..
كنت قد أحضرت بعضاً من البسكويت من مطبخي قبل أن نعيد الدولاب إلى موضغه فجلست أنا والصغير نتناول بعضاً منه مع الشاي ، وبالطبع لم أنس جارد فقمت بتجهيز بعض الطعام من أجله أيضاً .
ظل الصغير يختلس النظر إلى الدولاب وأعرف جيداً ان إعصاراً هائلاً من الفضول يتكون في داخله حول الخطابات ، فقلت كي أصرف نظره وتفكيره عن كنزي المحرّم : قل لي يا آدم .. لمَ تسللت إلى منزلي من ناحية سور الحديقة ولم تطرق الباب ؟
كان يهم بقضم قطعة من البسكويت لولا أن سؤالي فاجأه فتحول إلى تمثال من الشمع مرة أخرى، ثم احمر وجهه و اصفرّ وارتبك قليلاً ولم يدرِ ماذا يقول ، لكنه بعد قليل تدارك أمره ووضع قطعة البسكويت في الطبق حيث كانت ونهض قائلاً : يبدو أننا أثقلنا عليك يا سيدة يا سوزان ... ونظر ناحية جارد وهو يقول : سأستأذن  الآن واعود لك غداً لأبدأ العمل في الحديقة .. هيا ياجارد !
زمجر جارد معترضاً على أمر سيده الصغير بالرحيل لكنه أطاعه مرغماً وهو ينظر بحسرة إلى الطعام الذي لم يكمله بعد وانصرفا .
لم أعترض طريقه ولو بكلمة واحدة فقد اكتفيت بإبعاد فكره عن خطاباتي المغلقة التي لم أدرِ مطلقاً لمَ ظللتُ محتفظة بها إن لم أكن أنوي قراءتها ، لكنني علمتُ وكما سترى معي فيما بعد بأن هذا هو قدري ، قدري أن أتعرف على نوع جديد من المشاعر الدافئة التي لم أمنح نفسي لحظة كي أستشعرها من حولي
وتعلمت في هذا اليوم من آدم بداية دروسي : إن الكبار ليسو وحدهم خزائن أسرار متنقلة ، بل هناك أيضاً الصغار تنوء أعبائهم بحمل ثقيل من الهموم والمشاكل والأسرار
نهضت متجهة نحو دولابي المحرّم وفتحته متأملة ما أخفيته في هذا الدولاب من خطابات مددت يدي لأحضرها وضعتها على الطاولة ثم نظرت إليها وقلبي يخفق من الرهبة ترى ما الذي فوّتُّه من حياتي التي تركتها بإرادتي؟
هممت بفتح أول خطاب لكنني عدلت عن هذه الفكرة وجمعت الخطابات ثانية وأعدتها إلى منفاها المظلم الكئيب وأغلقت عليها والتفت نحو الشرفة الواسعة التي تؤدي إلى الحديقة لأنعم ناظري بمنظرها البهيج لكن عينيّ صُدمتا بما آلت إليه فعدت بناظريّ إلى الداخل وتوجهت نحو البيانو فبعد الحديقة كان هو تسليتي الوحيدة التي تبعد عني كل ألم تنشئه في داخلي تلك الخطابات المغلقة  التي أصررت على الاحتفاظ بها ، مددت أصابعي لتعاود ملاعبة أصابع البيانو البيضاء والسوداء فارتفعت أصوات تلاعبنا في مزيج بهيج يسر النفس ويسمو بالروح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♥ يسعدني معرفة رأيكم فيما كتبت :)